ميريل ستريب مُكرَّمةً في مهرجان "كانّ": أداءٌ باهرٌ

ميريل ستريب مُكرَّمةً في مهرجان "كانّ": أداءٌ باهرٌ

06 مايو 2024
ميريل ستريب: أداء متنوّع بتجديدٍ مستمرّ (ميغل ريوبا/فرانس برس)
+ الخط -
اظهر الملخص
- ميريل ستريب ستُكرّم بسعفة ذهبية فخرية في الدورة الـ77 لمهرجان "كانّ" السينمائي 2024، تقديرًا لمسيرتها الفنية المتميزة والطويلة، وذلك بعد 35 عامًا من فوزها بجائزة أفضل ممثلة في المهرجان.
- تُعتبر ستريب من أبرز وجوه السينما العالمية بفضل أدوارها المتنوعة في أفلام مثل "كرايمر ضد كرايمر"، "اختيار صوفي"، و"الشيطان يرتدي البرادا"، مما يُبرز قدرتها الفريدة على التنقل بين الأنواع السينمائية.
- بالإضافة إلى تألقها في السينما، قدمت ستريب أداءً متميزًا في المسرح وأدوار تتطلب أداءً كوميديًا وموسيقيًا، معززةً مكانتها كممثلة متمكنة ومؤثرة في صناعة السينما والثقافة العالمية.

 

"في كلّ واحدٍ منّا شيءٌ ما من ميريل ستريب". جملةٌ يُطلقها الثنائي الألمانية إيريس كْنوبلَخ والفرنسي تييري فريمو، رئيسة مهرجان "كانّ" السينمائي ومديره الفني، في إعلان رسميّ عن تكريم الممثلة الأميركية في افتتاح الدورة الـ77، المُقامة بين 14 و25 مايو/أيار 2024.

جملةٌ تختصر معنى اختيارها لتكريمٍ، تُمنح فيه "سعفة ذهبية فخرية"، بعد 35 عاماً على فوزها بجائزة أفضل ممثلة، عن دورها في "صرخة في الظلام" للأسترالي فْرَد شَبيسي، في الدورة الـ42 (11 ـ 23 مايو/أيار 1989). في الإعلان نفسه تفسيرٌ لمعنى اختيارها، فهي عاملةٌ في المهنة منذ أكثر من نصف قرنٍ: "لأنّها تسكن في روائع لا تُعدّ، تُشكّل ستريب جزءاً من مخيلتنا الجماعية، ومن "سينيفيليّتنا" المشتركة". يذكر الإعلان بعض تلك الروائع: "كرايمر ضد كرايمر" (1979) لروبرت بِنْتن، و"اختيار صوفي" (1982) لآلن ج. باكولا، و"خارج أفريقيا" (1985) لسيدني بولاك، و"جسور مقاطعة ماديسون" (1995) لكلينت إيستوود، و"الشيطان يرتدي البْرادا" (2006) لديفيد فرانكِل (هؤلاء جميعهم مخرجون أميركيون)، و"ماما ميا" (2008) للإنكليزية فيلّيدا فيليبس.

في بيان كهذا، يستحيل ذكر أفلام ممثلة، ستحتفل عام 2025 بمرور 60 عاماً على بداية عملها السينمائي، من دون تناسي انجذابها إلى المسرح بأنواعٍ مختلفة منه. لكنّ اللافت للانتباه أنْ المذكور، الذي يُراد له نوعٌ من مساواة بين تُحفٍ سينمائية واشتغال كوميدي، يقول ضمناً إنّ أداءها الكوميدي والموسيقي ـ الغنائي يمتلك سحراً ويُثير متعةَ مُشاهدة، تماماً كأدائها الدرامي في أفلامٍ تعاين أهوال حياة وعلاقات، وتغوص في حالةٍ أو شعور. المذكور في الإعلان يوازن، وإنْ باختيار أفلامٍ قليلة للغاية (وهذا مفهوم)، بين نمطين، فيهما تتنافس ستريب مع نفسها، لابتكار جديدٍ في التمثيل، ولاختراع ما يُظهر اختلافاً، ولو متواضع، في تقديم كلّ شخصية.

رغم أنّ المذكور مُنفضٌّ عن تُحفٍ أخرى، تمتلك جمالياتٍ، تتساوى شكلاً ومضموناً مع المذكور، وتواجِه بلداً واجتماعاً يعانيان مآزق شتّى في السياسة والعلاقات والحياة اليومية والانفعال. ومع أنّ هذه المواجهة تسم الممثلةَ بيساريّة أميركية ما، كما في رائعة Lions For Lambs لروبرت ريدفورد (2007) مثلاً، يبقى الفعل السينمائي أولويةً أساسيةً في إنجاز أي فيلمٍ، من دون حجب أهمية المطروح. The Post لستيفن سبيلبيرغ (2017) مثلٌ على ذلك: عام 1971، تنشر "واشنطن بوست" وثائق مُسرّبة من مؤسّسة استشارية عسكرية، تفضح تناقضات المُعلن والمخبّأ في إدارة حرب فيتنام. للفيلم جانبٌ بديع للغاية، يتمثّل في نقاشٍ حول دور الصحافة في صراعها مع الإدارة السياسية والقيادة العسكرية، وحول مفهوم حريات المهنة وأخلاقياتها وواجباتها، وحول الكذب والعدالة والتحايل والافتراء والحقّ.

 

 

في هذين الفيلمين، تؤدّي ميريل ستريب دورين يتشابهان بصورة ما: مع ريدفورد، تكون جانين روث، إعلامية تلفزيونية تحاول التصالح مع نفسها إزاء مهنةٍ، يريد سياسيون التحكّم فيها لمآرب ومصالح خاصة وعامة، فتبحث عن كيفية استعادة المهنة من براثن الخديعة والواقع المهنيّ. ومع سبيلبيرغ، تُصبح كاترين "كاي" غراهام، مالكة صحيفة "واشنطن بوست"، التي تواجِه أصعب تحدٍّ لها في صراعٍ خطر بين سياسة وأمن وعسكر ومصالح أفرادٍ، ومهنة يُراد تحجيمها لمنعها من كشف وقائع مُثْبتة.

هذان مثلان لا أكثر، يعكسان شيئاً من حيوية أداء وجماله الفعليّ في إخراج ما في الشخصية من ارتباكات وقناعات ورغبات، عند مواجهة طغاة يرتدون ملابس حملان، أحياناً كثيرة. هذا (حيوية أداء وجماله الفعلي) حاصلٌ أيضاً في "السيّدة الحديدية" (2011) لفيلّيدا لويد: عنوان يُحيل إلى مارغريت تاتشر، رئيسة وزراء المملكة المتحدّة (1979 ـ 1990)، وستريب تغوص في أعماق تلك الشخصية، المُصابة بألزهايمر، مع أنّها تستعيد لحظاتٍ تصنع حياتها. وإذْ يصعب اختزال سيرة حياة شخصية عامّة في 105 دقائق، تتجاوز ستريب كلّ صعوبات النصّ السينمائي بما تملكه من قدرة، فنية ونفسية وفكرية وانفعالية، على بلوغ حالة يكاد يختفي معها كلّ فصل بين الممثلة والشخصية العامة.

في بدايات اشتغالها السينمائي، تُمثّل ستريب (ستبلغ 75 عاماً في 22 يونيو/حزيران 2024) في "صائد الغزال (The Deer Hunter)" لمايكل تشيمينو (1978): التقاط جحيم الفرد والحياة، بسبب حرب فيتنام (مجدّداً). تفكيك البُنى المختلفة التي يُصنع الفرد بها. انغماس وحشيّ، بقدر وحشية الحرب وفوضاها (الذي يفضح The Post بعض خفاياها)، في جنون وخراب ومتاهة وقهر وانكسار وموت وتشويه، والأخير يُصيب روحاً بعنفٍ أقوى من إصابته جسداً. إلى جانب روبرت دي نيرو وجون كازال وكريستوفر واكن (وغيرهم وغيرهنّ)، المتألّقون في تأدية أدوارٍ رئيسية، تُقدِّم ستريب أحد أدوارها الأولى بندّيةٍ تتوافق وما تملكه من مفردات مهنةٍ، تصقلها بتمرينٍ دائم على ابتكار المختلف.

هذه نماذج قليلة للغاية. تكريم ميريل ستريب دافعٌ إلى استعادتها، من دون تجاهل غيرها من تُحفٍ، بفضلها يستضيفها مهرجان "كانّ"، المُصاب بأعطابٍ لن يُعوّضها تكريمٌ كهذا، رغم أهميته للمهرجان نفسه أساساً.

المساهمون